الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***
يختار الكاتب أن يبدأ بكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، من حاشية القرطاس، ثم يكتبون الدعاء من تحته مساوياً، ويستقبحون أن يخرج الكلام عن بسم الله الرحمن الرحيم، فاضلاً بقليل، ولا يكتبوها وسطاً، ويكون الدعاء فاضلاً، وإنما يفعل ذلك بالتراجم. ومن الكتاب من يرى أن يجعله وسطاً، في أسفل الكتاب، بعد انقضاء الدعاء الثاني والتاريخ، إذا احتاج إلى تبيين نسخة كتاب متقدم، أو حساب، ليفرق بين منزلته من صدر الكتاب وبين عجزه. وقد ذهب إليه قوم. ولا يفسح ما بين بسم الله الرحمن الرحيم وبين السطر الذي يتلوه من الدعاء ولكن يفسح ما بين الدعاء، إذا استتم، وبين سائر المخاطبة. ولا يتجاوز بالدعاء ثلاثة أسطر، ولا يستتم السطر الثالث، على المشهور من مذاهب أجلاء الكتاب. قال الصولي: حدثنا زياد بن الخليل التستر، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، عن محمد بن عبد العزيز، عن عمر، عن أبيه، عن أبي سلمة، قال: "أول من قال أما بعد كعب بن لؤي. وكان أول من سمى الجمعة وكانت تسمى العروبة". ويروى أن أول من قال: أما بعد، داود النبي عليه السلام وأن ذلك فصل الخطاب، الذي قال الله عز وجل: "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب". حدثنا زياد بن الخليل قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحراني، قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، عن أبي الزناد، عن أبيه، عن بلال بن أبي بردة، عن أمه، عن جده أبي موسى، أنه قال ذلك. وقال الشعبي: فصل الخطاب الذي أعطيه داود عليه السلام: أما بعد. فمعنى فصل الخطاب، على هذا، أنه إنما يكون بعد حمد الله، أو بعد الدعاء، أو بعد قولهم: من فلان إلى فلان، فينفصل بها بين الخطاب المتقدم وبين الخطاب الذي يجيء بعد. ولا تقع إلا ما ذكرناه. ألا ترى قول سابق البربري لعمر بن عبد العزيز: باسم الذي أنزلت من عنده السور *** الحمد لله أما بعد يا عمر فإن رضيت بما تأتي وما تذر *** فكن على حذر قد ينفع الحذر والمعنى في أنها لا تقع مبتدأة، أن المراد بها أما بعد هذا الكلام، يعني الذي تقدم فإن الخبر كذا وكذا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى بني أسد: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى بني أسد. سلام عليكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو. أما بعد فلا تقرين مياه طي ولا أرضهم فإنه لا يحل لكم". فإذا كتب كاتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد كان كذا وكذا، فمعناه: أما بعد قولنا بسم الله، فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان. فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه. ولابد من مجيء الفاء بعد أما لأن أما لا عمل لها إلا اقتضاء الفاء واكتسابها، فإن الفاء تصل بعض الكلام ببعض، وصلاً لا انفصال بينه ولا مهلة فيه. ولما كانت أما فاصلة، أتيت بالفاء لترد الكلام على أوله. وليست تدل الفاء على تأخير متقدم، ولا تقديم مؤخر، ولا يستوي معناهما فيها ولا معها. ومما أجمع أهل اللغة، على أن حالفاً لو قال: والله لآتين الكوفة والبصرة، فبدأ بالكوفة في لفظه، ثم أتى البصرة قبل الكوفة ثم أتى الكوفة، إنه غير حانث لأن الواو عندهم أتم حروف النسق، وإنها للإشراك تدخل الآخر فيما أدخلت فيه الأول لا فرق. وأجمعوا على أنه إذا قال: لآتين الكوفة فالبصرة أنه إن لم يأت الكوفة التي بدأ بها في لفظه، ثم يخرج منها إلى البصرة مسرعاً مزعجاً، غير متلبث إلا لفكر في خروجه، أو إصلاح لطريقه، أنه فائت، لأن الفاء حرف إزعاج وإسراع. فإذا قال: لآتين الكوفة ثم البصرة، بدأ بالكوفة وأقام ما شاء بعد، لا ينقص عزمه في إتيانها، ولا تتغير نيته إلى وقت قصده إياها، لأن ثم عندهم حرف إمهال وتنفيس. والذي عليه أكثر الفقهاء، في فصل الخطاب، أنه فصل الحكم والقضاء. وقال الضحاك بن مزاحم: فصل الخطاب العلم بالقضاء. وروي عن شريح والحسن البصري، أنهما قالا: فصل الخطاب الشهود والأيمان، ذهب إلى أنه يجب بهما الحكم وتنفصل الأشياء. حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان، عن الأسود، عن قيس، عن ثعلبة، عن عباد، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين كسفت الشمس فقال: "أما بعد". فقد استعمل الناس قريباً من ترتيب الدعاء، وتكثيره وتقليله، أشياء كلفوا أنفسهم فيها، مؤونة المخاضة فيها والتحفظ فيها منها. وقد كان المتقدمون يسمحون في ذلك، ولا يتشاحون عليه إلى الرسوم في الكتب عن الأئمة فإنها على الأمثلة التي كانت تجري عليها الكتب، وتصدر بها في أيام النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً،لم تغير عما كانت تصدر به عن النبي صلى الله عليه وسلم: يبدأ باسمه ويختم الكتاب باسم كاتبه. وكذلك هي عن الأئمة بإمرة المؤمنين والإمامة، والتصدير في أول الكتاب، والدعاء في آخره للإمام وولي العهد والوزير واحد. إلا أنهم قالوا: سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وكذلك لولي العهد في التصدير والدعاء الأخير. ولم يقولوا للوزير وبركاته ليفرقوا بين المحلين. وقد كتب بعضهم في عجز الكتاب إلى الوزير وبركاته. فأما في التصدير فلا وذلك للفرق بين المحلين. وكان التصدير ينتهي إلى قوله: "فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. إلى أن أفضت الخلافة إلى الرشيد، فأمر أن يزاد فيه وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم". فكتب بذلك إلى هذا الوقت. فكانت هذه من أفضل مناقب الرشيد. وكان الرشيد، قال ليحيى بن خالد: قد عزمت على أن يكون في كتبي من عبد الله هارون الإمام أمير المؤمنين عبد محمد رسول الله. فقال له يحيى: قد عرف الله نيتك في هذا يا أمير المؤمنين، وحان لك أجره، والتعبد إنما هو لله وحده لا لغيره. قال: فاكتب: "من هارون مولى محمد". فقال: إن المولى عند العرب ربما كان ابن العم وجزى الله أمير المؤمنين خيراً وهداه إليه. وقد يزيد في الكتب، ذكر الصفات، التي اختص الله تعالى بها كالمنصور والمهدي والهادي والرشيد. والعجب أن قوماً يسمونها ألقاباً والألقاب مكروهة وإنما هي نعوت وصفات. وجعلوا مثل ذلك لولاة العهود، وخوطب بها الخلفاء، قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، يخاطب المعتضد بالله، في قصيدة ذكر فيها ابنه علياً المكتفي بالله. المكتفي بالله صاحب عهدنا *** فاجعله نحلته من الأسماء فلما ولي المكتفي بالله الخلافة قال: قد سماني عبد الله باسم لا أريد غيره. ولم يكن يدعى للخلفاء على المنابر بالنعوت، فيقال: اللهم أصلح عبدك وخليفتك عبد الله المنصور أمير المؤمنين ولا المهدي. وكان أول من دعي له بذلك محمد الأمين أمير المؤمنين، وجرى على ذلك إلى اليوم. ولا يكاتب بالتصدير الإمام ولا ولي عهده ولا وزيره. فأما الإمام فيكتب بالتصدير إلى كل من خاطبهن من عامل حرب وخراج وقضاء، في الكتب المدونة المنعوتة، بالعهود والعقود وجباية الفيء، والحمول والنفقات والإقطاعات والإمارات والفتوح، وما جرى هذا المجرى، ويبدأ بنفسه. ولا يخاطب الإمام أحداً من هذه الطبقات بدعاء له في التصدير إلا ولي عهده، فإنه يدعي له بعد التصدير بالحفظ والحياطة. قال يحيى بن خالد البرمكي: "الخط صورة روحها البيان، ويدها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصول". وقال أبو دلف: "القلم صائغ الكلام، مفرغ ما يجمعه العلم". وقال اقليدس: "الخط هندسة روحانية وإن ظهرت بآلة جسمانية. أخذه النظام"، فقال: "الخط أصل في الروح وإن ظهر بآلة الجسد". ومن فضل حسن الخط، أن يدعوا الناظر إليه إلى أن يقراه وإن اشتمل على لفظ مرذول ومعنى مجهول. وربما اشتمل الخط القبيح، على بلاغة وبيان، وفوائد مستظرفة، فيرغب الناظر عن الفائدة التي هو محتاج إليها لوحشة الخط وقبحه. حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: كان مشايخ الكتاب وزهاد العمال يختارون أن يكون ما يرفعونه عن جماعاتهم، إلى دواوين السلطان بخط غير جيد، ومداد غير حالك، في صحف مظلمة، ليثقل على من يرد عليه من المتصفحين فيعدل عنها إلى غيرها مما لا يتعبه. وزعم صاحب المنطق أن الأشياء مجودة في أربعة مواضع: في الأشياء ذوات المعاني في أنفسها، وفي العقول، والقول، والخط. وإن الحظ دليل على ما في النفوس، وما في دليل على ما في الأشياء ذوات المعاني، وما في الأشياء ذوات المعاني مدلول عليه. وإن اثنين من هذه الأربعة طبيعيان، وهما الأشياء ذوات المعاني وما في النفوس لا يتغيران. واثنان وضعيان، يتغيران بتغير اللغات والبلدان، وهما القول والخط. ومثال ذلك أن الذي في الجسمين، من التدوير والتربيع، موجود فيهما إذا نظر إليهما ناظر، انطبعت صورتهما في نفسهما، فصارا موجودين في موضعين، وإذا أراد أن يخبر غيره عما وجده، احتاج إلى التعبير عما في نفسه باللفظ، فيكون اللفظ دالاً على ما في النفس، وإن كان المخبر حاضراً شافهه، وإن كان غائباً أداه إليه بالخط. واللفظ والخط من هذا الوجه ضروريان، لابد منهما في العبارة. ولو شاء قائل أن يفضل الخط على اللفظ، في هذه الحال، من قول صاحب المنطق، لقال: فالخط أتم من اللفظ فائدة، لأنه قد بلغ مبلغ المنطق، إذ كنا قد نناجي الحاضر بهما جميعاً، فنفهمه بكل واحد منهما، مثل ما نفهمه بالآخر، ولا نستطيع إفهام الغائب إلا بالخط، فللخط فائدتان من هذه الجهة، وليس للفظ إلا فائدة واحدة. فإن قال معترض: فكيف يتهيأ أن يفهم الأعمى والأمي الخط؟ قيل له: ذلك من نقصان آلة، لا من نقصان آلتهما، الخط، وإنما قولنا على تمام الآلة وأصل البنية الصحيحة، والعمى عرض دخل على الطبيعة وليس بأصل فيها، والأمي ممكن أن يتعلم الخط، فالنقيصة فيه عن علمه من ميله. وقد رأينا الشديد الصمم لا يفهم إلا بالخط. ومن أحسن ما فضل به كلام المخاطب على الخط قول جالينوس "الكتاب كلام ميت، يتناوله قارئه كيف شاء، وكلام المخاطب حي، يمكن صاحبه أن يبصره حتى يبلغ به غرضه". ومن الأعجوبة في الخطوط كثرة اختلافها والأصول واحدة كاختلاف شخوص الناس مع اجتماعهم في الصنعة، حتى إن خط الإنسان يصير كحليته ونعته في الدلالة عليه، واللزوم له والإضافة إليه، حتى يقضي به الكاتب له وعليه. وقد عجبت من بعض الكتاب قال: ادعى رجل من إلحاق الأنساب بالآثار والأشباه، فقال له القائف: أعجب والله من هذا ما يبلغنا من تمييزهم الخطوط وإلحاق كل خط بصاحبه أو ما ترى العازم على خيانة أو دفع حق، بغير خطه حتى إذا جحد لم ينسب عليه. وحدثني الحسين بن يحيى الكاتب، قال: ادعى رجل على رجل مالاً، وأن معه به رقعة بخطه، فجحد الرجل الخط، وجعل يكتب بين يدي الناس فيحكمون أن الخط ليس خطه. ثم تراضيا بسليمان بن وهب، وما يحكم به في ذلك، فأحضر الخط والرجل، فقال: اكتب فأملي عليه كتاباً طويلاً، ردد فيه مثل الحروف التي في رقعته، فتبين سليمان أن الخط خطه، وأنه صنع في كتاب الرقعة، ولم يكتب على طبعه، بحروف دلته على ذلك، فحكم عليه سليمان، فاعترف الرجل بالخط، وأدى المال وعجب من ذلك. فقيل لسليمان: كيف وقفت على ذلك؟ فقال: إنه يصنع في الرقعة كلها إلا في أحرف قذفتها سجيته، ولم يحترس منها طبعه. ثم أنشد سليمان: ولما أبت عيناي أن تطعم الكرى *** وأن يمنعا ذر الدموع السواكب تثاءبت كي أبغي لدمعي علة *** وكم مع لوعاتي بقاء التثاؤب ومن مليح التعلل في الدم ما حدثنا به محمد بن دينار قال: حدثنا مهدي البهدلي، قال: قال يسار لأبي العتاهية: يا عتبي أنا والله أستحسن اعتذارك في دمعك حيث تقول: كم من صديق لي أسا *** رقه البكاء من الحياء فإذا تأمل لامني *** فأقول ما بي من بكاء لكن ذهبت لأرتدي *** فطرفت عيني بالرداء فقال أبو العتاهية: والله يا أبا معاذ ما لذت في هذا إلا بمعناك، ولا اجتنيته إلا من غرسك في قولك: فقالوا: لم بكيت فقلت: كلا *** وهل يبكي من الطرب الجليد ولكني أصاب سواء عيني *** عويد بدا له طرف حديد فقالوا: ما لدمعها سواد *** أكلتا مقلتيك أصاب عود والتشبيه يقع كثيراً بالخط الجيد الحسن، أما الخط الرديء فحكايته صعبة ممتنعة. وحدثني يحيى بن البحتري قال: حدثنا أبي عن ابن الترجمان - وكان الواثق أنفذه إلى ملك الروم بهدايا - قال: وافقت لهم عيداً فرأيتهم قد علقوا على باب بيعتهم كتباً بالعربية منشورة، فسألت عنها، فقيل: هذه كتب المأمون بخط أحمد بن أبي خالد الأحول استحسنوا صوره وتقديره فجعلوا هكذا. فحدثت أنا بهذا الحديث، أبا عبيد الله محمد بن داود بن الجراح، فقال لي: هذا حق قد كتب سليمان بن وهب كتاباً إلى ملك الروم، في أيام المعتمد، فقال: ما رأيت للعرب شيئاً أحسن من هذا الشكل! وما أحسدهم على شيء حسدي إياهم عليه. والطاغية لا يقرأ الخط العربي، وإنما راقه باعتداله وهندسته وحسن موقعه ومراتبه. ووصف أحمد بن إسماعيل خطاً حسناً فقال: "لو كان نباتاً لكان زهراً. ولو كان معدناً لكان تبراً. أو مذاقاً لكان حلواً. أو شراباً لكان صفواً". وقالوا: "القلم قسيم الحكمة". وقال أفلاطون: "الخط عقال العقل". وقال أرسطاطاليس: "القلم العلة الفاعلة. والمداد العلة الهيولانية. والخط العلة الصورية. والبلاغة العلة النامية". وقال بعض الملوك اليونانية "أمر الدين والدنيا تحت شيئين: قلم وسيف، والسيف تحت القلم". فمن مليح ما قيل في ذلك، قول أبي تمام للحسن بن وهب، وقد قرأ كتاباً له فاستحسن خطه ولفظه من كلمه: لقد جلى كتابك كل بث *** جو وأصاب شاكلة الرمي فضضت ختامه فتبلجت لي *** غرائبه عن الخبر الجلي وكان أغض في عيني وأندى *** على كبدي من الزهر الجني وأحسن موقعاً عندي ومني *** من البشرى أتت بعد النعي وضمن صدره ما لم تضمن *** صدور الغانيات من الحلي فكائن فيه من معنى بديع *** وكائن فيه من لفظ بهي وكم أنجزت من بر جليل *** به ووعدت من وعد سني كتبت به بلا لفظ كريه *** على أذن ولا خط قمي فأطلق من عقال في الأماني *** ومن عقل القوافي والمطي وأهدي بعض الكتاب غلاماً كاتباً، إلى رئيس له، وكتب إليه بصفة الخط وغيره - وسمعت من يحكي أن فاعل ذلك عيسى بن فرخانشاه بإبراهيم بن العباسي الصولي، وكان عيسى يكتب له ولا أدري كيف صحته، لأني لم أعتد بما لم أسمعه من أفواه الرجال: اقبل هدية شاكر *** تجزيه بالنزر الجليلا بدراً يضيء إذا نظرت إلي *** ه لم يألف أفولا إني بعثت به وكن *** ت بحسن موقعه كفيلا لما رأيت بخطه *** حسناً يصيد به العقولا كمنمنم الموشي قد *** سحب القيان به الذيولا أو كالرياض بكى الحيا *** فيها فاوسعها همولا وتراه للمعنى اللطيف *** إذا أشرت به قبولا لا مستعيداً منك إذ *** تملي عليه ولا ملولا عرف المبادئ والوصول *** من الحكاية والفصولا وصنوف ترنيب الدعاء *** وإن يقصر أو يطيلا والهمز والممدود والم *** قصور والمثل المقولا والفعل والأسماء وال *** مصروف منها والثقيلا فاستكفه وأضمر له *** أن لا تريد به البديلا يحمل بفضل لسانه *** وبيانه عنك الثقيلا وأنشد أحمد بن إسماعيل نطاحة لنفسه: أضحكت قرطاسك عن جنة *** أشجارها من حكم مثمره مسودة سطحاً ومبيضة *** أيضاً كمثل الليلة المقمره ولي من قصيدة مدحت بها الوزير أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن يحيى: ينظم دراً في قراطيسه *** أفدي أبا العباس من ناظم يطلع أنواراً بها غضة *** بوابل من نقشه واسم بنفسجاً أو مشبهاً لونه *** في أرض نسرين له فاحم كالدر في اللفظ وكالوش *** ي في الرقم أجادته يد الراقم فقال أحمد بن إسماعيل: وإذا نمنمت بناتك خطاً *** معرباً عن إصابة وسداد عجب الناس من بياض معان *** تجتنى من سواد ذاك المداد حدثنا محمد بن إبراهيم الأنصاري أبو الحسن، قال: وصف أحمد بن صالح جارية كاتبة فقال: "كأن خطها أشكال صورتها. وكأن مدادها سواد شعرها. وكأن قرطاسها أديم وجهها. وكأن قلمها بعض أناملها. وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن سكينها سيف لحاظها. وكان مقطها قلب عاشقها". وأنشدنا عبد الله بن المعتز لنفسه يصف خطاً: فدونكه موشى نمنمته *** وحاكته الأنامل أي حوك بشكل يؤمن الإشكال فيه *** كأن سطوره أغصان شوك ومثل هذا لأحمد بن إسماعيل نطاحة: مستودع قرطاسه حكما *** كالروض ميز بينه زهره وكأن أحرف خطه شجر *** والشكل في أضعافها ثمره أنشد محمد بن يزيد المبرد، قال: استعار محمد بن عبد الملك الزيات من الحسن بن وهب دفتراً فيه شعر أبي يعقوب الخريمي، وكان معجباً به، فوجه الحسن به إليه، وكان بخط حسن، ثم وجه الحسن يطلبه منه، فوجه إليه محمد بالنسخة التي كانت عنده واحتبس نسخة الحسن وكتب إليه: إني نظرت ولا صواب لناظر *** فيما يهيم به إذا لم ينظر فإذا كتابك قد تخير خطه *** وإذا كتابي ليس بالمتخير وإذا وسوم في كتابك لم تدع *** شكاً لمعتسف ولا لمفكر تنبيك عن رفع الكلام وخفضه *** والنصب فيه لحاله والمصدر وإذا كتاب أخيك من ذا كله *** خلو فبئس لبائع أو مشتري فاقبل كتاب أخيك غير منافس *** فيه وخل له كتابك واعذر واعلم بأنك لا تزال مؤخراً *** في العلم عند الناس ما لم تكسر إني أرى حبس السماع على الذي *** شاركته فيه وكسر الدفتر واستهدى أحمد بن إسماعيل دفتراً فيه حدود الفراء، فأهداه إلى مستهديه وكتب على ظهره: خذه فقد سوغت فيه مشبهاً *** بالروض أو بالبرد في تفويفه نظمت كما نظم السحاب سطوره *** وتأنق الفراء في تأليفه وشكلته ونقطته فأمنت من *** تصحيفه ونجوت من تحريفه بستان خط غير أن ثماره *** لا تجتنى إلا بشكل حروفه وللخط صفات وتركيبات وأسماء مختلفات، تحد وتصنف ما يقال ذلك في النغم واللحون. فمنه الرياشي المحقق والخفيف المطلق، وهو الذي يتعلق بعضه ببعض، ومنه منثور ومجموع. وسئل بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف بالجودة، فقال: إذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده حدوره، وتفتحت عيونه، ولم تشبه راءه نونه، وأشرق قرطاسه، وأظلمت أنقاسه، ولم تختلف أجناسه، وأسرع إلى العيون تصوره، وإلى العقول ثمره، وقدرت فصوله واندمجت وصوله، وتناسب رقيقه وجليله، وخرج عن نمط الوراقين، وبعد عن تصنع المحدرين، وقام لكاتبه مقام النسبة والحلية، كان حينئذ كما قلت في وصف خط: إذا ما تحلل قرطاسه *** وساومه القلم الأرقش تضمن من خطه حلة *** كنقش الدنانير بل أنقش حروف تعيد لعين الكليل *** نشاطاً ويقرأها الأخفش وقال آخر: أتاني كتابك يا سيدي *** فآنس نفساً به مبهجه وكان بما ساق من فرحة *** وسكن من لوعة مزعجه أبر وأمتع من ريطة *** على كل مائدة مدرجه قد ذكرت في هذا الكتاب ما استحسن من خط الجواري: وقد كره أهل النبل من الناس وذوو الرأي منهم أن يعلم النساء الخط، وجاء فيه النهي عن ابن عباس، أنه قال: "لا تسكنوا النساء العلالي ولا تعلموهن الكتابة". وقال حمزة بن أبي سلامة الكوفي: جاء خط كأنه شعرات *** وسط خط ولم يصله عذار أو كنقش الحناء في كف عذرا *** ء أباحتك لمحه الأستار يا كتاباً يكاد يضحك من جو *** هره في نظامه الطومار وقال علي بن الجهم: يا رقعة جاءتك مثنية *** فكأنها خد على خد نبذ سواد في عذار كما *** ذر فتيت المسك في الورد ساهمة الأسطر مصروفة *** من ملح الهزل إلى الجد يا كاتباً أسلمني عبثه *** إليه حسبي منه ما عندي وقال أبو نواس: زجرت كتابكم لما أتاني *** بمر سوانح الطير الجواري نظرت إليه مجزوماً بزبر *** وفي ظهر ومختوماً بقار فعفت الظهر أحور قرطقياً *** تركب صداغه سين العذار وكان الشدو ذا زبر مصيب *** وكان الختم من رق العقار فكيف ترونني وترون زجري *** ألست من الفلاسفة الكبار
|